من حميدو الديب إلى سعيد الناصري: الوطن لله و الحشيش للجميع في المغرب..!

عبد الله الدامون

قرابة 30 عاما مرت على أول حملة كبيرة ضد تجارة المخدرات، وهي حملة جرت في السنوات الأخيرة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني ووزير داخليته الوفي والقوي ادريس البصري، ولذلك لا تزال تلك الحملة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول مراميها وأهدافها.

في تلك الأيام، وبالضبط سنة 1996، وفي محكمة الاستئناف بطنجة، كانت القاعة تزدحم بالمتهمين والمحامين والصحفيين والعابرين. كان رجل الحشيش القوي وقتها، أحمد بونقوب، الشهير بلقب حميدو الديب، يرتدي جلبابا جبليا خشنا ويتوسط مجموعة من المتهمين، بينما القاضي يسأل رجلا قرويا مسنا من رجال الديب:

القاضي: عندي صور زورق فاخر تمت مصادرته منكم.. هل كنتم تهربون به الحشيش؟

المتهم: لا آسيدي القاضي؟

القاضي: وماذا كنتم تفعلون به؟

المتهم: (بعد فترة تردد) كنا نستخدمه للترفيه عن الشخصيات التي تأتي عندنا من الرباط..

القاضي: (محرحا) كيفاش؟

المتهم: يركبون في الزورق ويتنزهون في البحر.

تعلو همهمات وضحكات مكتومة وسط القاعة، بينما المحامون الذين كان يفترض أن يمسكوا بتلابيب هذا التصريح ويقلبوا به الملف رأسا على عقب فضلوا رسم ابتسامات بريئة جدا على وجوههم وكأن ذلك المتهم القروي رفع عنه القلم وأطلق في القاعة رائحة أراد الجميع تجنبها بسرعة.

في تلك الجلسة كان وزير العدل الحالي، المحامي عبد اللطيف وهبي، حاضرا نيابة عن عدد من المتهمين في الملف، ويمكنه أن يؤكد أو ينفي هذه المعلومة، وهي معلومة للتاريخ فقط.. ولبعض العبرة.

كانت تلك الحملة غريبة في كل تفاصيلها، فتجار الحشيش وقتها كانوا كلهم تقريبا من الشمال، الكثيرون منهم أميون من مناطق قروية أجبرتهم الظروف على سلك هذا المنحى، فلا مدارس ولا معاهد ولا جامعات في مناطقهم، فقط الفقر والفراغ والمعاناة، لذلك من الطبيعي أن نسمع حميدو الديب، سنوات بعد خروجه من السجن، يقول إنه كان يحصل فقط على 20 في المائة فقط من عائدات الحشيش، والباقي يذهب لـ”مختلفات”، من بينها بعض الأعمال الخيرية، والتي يمكن أن تكون في حدود 20 في المائة أيضا، أما 60 في المائة فليس من الصعب معرفة أين كانت تذهب.

في ذلك الوقت كان للصحف الإسبانية دور كبير فيما جرى بسبب حملاتها الإعلامية على تهريب الحشيش نحو شواطئها بالأساس، ويحكي حميدو الديب أن مسؤولين اعتذروا له عن اعتقاله وقالوا له إنه مجرد كبش فداء لإسكات وسائل الإعلام الإسبانية، وأنه قد يحصل على وسام بعد أن تهدأ العاصفة..!

مرت حوالي عشر سنوات على تلك الحملة “التطهيرية” واعتقد كثيرون أن تهريب الحشيش حكاية من الماضي، لكن الحشيش لا يقبل الفراغ، لذلك فإن الفراغ الذي خلفه أشخاص مثل الديب والدرقاوي واليخلوفي والعربيطي والجدار وغيرهم، ملأه بسرعة شباب مختلفين من جيل منير الرماش، الذين صاروا يتباهون بثرواتهم المفاجئة ويصرفون أموالا هائلة على السهرات والسيارات والعقارات، وتنافسوا في أشياء غريبة ومثيرة، وكثرت بينهم الوشايات والمكائد والأحقاد، وتذكر الناس بكثير من الحنين أيام حميدو الديب.

مرة أخرى، وفي أواسط عقد 2000، جرت محاكمات هوليودية لشباب اغتنوا بسرعة واعتقدوا أنهم سادة الزمان والمكان، لكنهم لم يدركوا أنهم مجرد أصنام في معبد، فتم تكسيرهم بسرعة، وجاءت بعدهم أجيال توزعت على كل مناطق المغرب، ولم يعد من المستغرب وجود أباطرة مخدرات في أقصى الجنوب أو الشرق، فالوطن لله والحشيش للجميع.

مرت سنوات طويلة لم يسمع فيها المغاربة عن حملات تطهيرية ضد المخدرات، إلا من شذرات متقطعة في الزمان والمكان هنا وهناك، لكن تحذيرات قوية صدرت من أشخاص يعرفون بواطن الأمور قالوا إن المافيا تسللت إلى دواليب الدولة، وهذا كلام يصيب بالرعب من يدرك معناه.

The post من حميدو الديب إلى سعيد الناصري: الوطن لله و الحشيش للجميع في المغرب..! appeared first on أريفينو.نت.

Post a Comment

أحدث أقدم